لم أرَ أبي /الشاعر المبدع عدنان المكعشي

لم أرَ أبي؛
________

منذُ حوالي أربعين عاماً
لم أرَ أبي،
لم أراه حتى في أحلامي ولو للحظة..
هذا لانني لم أراه في الواقع
قط.!
أو ربما أكون قد رأيتهُ يوماً ما قبل أربعين عاماً،
وكنتُ مازلتُ أعمى،
كانت عيناي لاتزال مغمضتان..
ولم ترَ النور بعد.!
أو ربما فتحت لبعض لحظات
ولم تستطع حفظ ملامحهُ في إرشيف ذاكرتي التى لم تزل طرية وصغيرة الحجم..
ثم غاب دون أن أستمتع
بطفولتي البريئة معه وبين أحظانه وعلى ظهره.!

لكن أمي التى لم تنم
خمسة وثلاثون عاماً بعده
ظلت ترسمهُ في مخيلتي بكل دقة يوماً فيوم
وتعيد لي كل حركاته، وسكناته، وكلامه، وضحكاته التى عايشتها
وتحدثني كيف كان يصنع المعروف،
وتمسكه بالدين،
وأنه لم ينم منذ ان عرفته،
ولم يأخذ يوماً قسطاً من الراحة،
ولم يكن لديه وقت كي يضيعه،
كان يصد الريح ولاينكسر،
ويسقي الأرض عرقاً من جبينه،
يعانق الشمس كل صباح
باسماً من التعب،
يخوض الوجع حافياً دون أن يذبل،
يساند أمي بحمل الهموم دون ان يمل او يتضجر،
كان يصادق الشجر نهاراً ويعانق الحجر،
وفي الليل يعد النجوم
ليرقب سُهيل،
كان يتدفق قلبه حباً وحنان
ويملئ روحه الرضى
بالقضاء والقدر،
حتى هاجمه الوجع اكثر
من مرة،
فأنكرتهُ الحياة،
وخانه البدن،
فسلم نفسه للريح
قبل ان يودعني
ودون ان يكون قد عانقني
الا بضع مرات في بضع يوم...
وعندما كبرتُ
وجدتُ إسمي الذي اختاره لي مقيداً بأسمه
دون ان أراه واتعرف عليه..!

عدنان المكعشي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يافؤادي /الشاعر المبدع سالم ذنون شهاب.. العراق

يقول المرء فائدتي ومالي /الشاعر العراقي المبدع سالم ذنون شهاب

سجن موحش /الشاعرة المبدعه آمنه بنت وهب