دراسة في شعر الهايكو /بقلم الأديبة دجلة العسكري

دراسة في شعر الهايكو 

إن شعر الهايكو تخطى الحدود الجغرافية من شرق آسيا اليابان لتصل رياحه إلينا بفلسفته العميقة ومشاهده المجسدة لتوليفة مكثفة بسيطة غيرت من آفق المتلقي العربي والعالمي فهو يقوم على لغة شعرية تتعدد فيها خصائص المقدمة بإيجاز ، بساطة الألفاظ التي يستمتع بها المتلقي تصوغ المعاني في تراكيب من الخيال والإيحاءات وتكثيف اللغة أولى (1) ويختزن الشعر على صور ورؤى تخترق حجب الأمكنة والأزمنة . 

يمكن القول هنا إن شعر الهايكو هو إمكانية لغوية تنسلخ فيها الذات في عنفوان أبدي فاليكو فلسفة عميقة تتستر وراء النص ، وقد ظهر هذا الشعر الياباني في القرن السابع عشر بفضل الشاعر ماتسو باشو وقد حاول هذا الشاعر تجسيد آفاق وأمال لدلالات عميقة من خلال بيت شعري واحد مكون من سبعة عشر مقطعًا صوتيًا 

فقد برز ذلك في قصيدته ستارة الحب الخرزية :

يتفجر الشتاء 

إلى شرائح من الصخور التي تتوسط شجرات الأرز

شعاع الصباح 

منتثر على البوابة

محكمة الرتاج

أصوات 

تنزلق ثاقبة الباب

إنها ريح الخريف

وقد وصل الهايكو الياباني إلى الشعر العربي عن طريق الترجمة فالهايكو العربي أقرب إلى روح الشعر العربي لأنه يعتمد على وحدة البيت، نفسين  وهذا من خصائص الشعر العربي وهو مشهدي وقد انفتح الشعر العربي عالهايكو منذ ستينات القرن الماضي مع عز الدين مناصرة وعبد الكريم الخطيبي ومحمد بنيس وقد ازداد الاقبال على هذا الشعر بعد الربيع العربي ، ومن أشهر مؤسسين الهايكو العربي : محمود عبد الرحيم الرحبي فقد وضع أسس مناسبة له مع اللغة العربية وربط خصائصه بالقصيدة الشعرية العربية وشذّب قصائده على بعض البحور الشعرية ، وقد لاحظنا في ديوانه المسمة ( هناك بين غيابين يحدث أن نلتقي ) تظهر فيها رؤية فنية وبعدًا فلسفيًا وفكرة عميقة.

حيث يقول :

أسراب

الزرازير تمرح

تحت الغمام

في أرجوان المساء

...........

في المساء 

من الذي حرك أشجار المساء

هبت الريح

وهبت كل أسباب البكاء

لذلك يؤكد أغلبية الشعراء العرب إنه لا بد من إبقاء على روح الهايكو المتمثلة بالبساطة والأنية دون إهمال روح البلاغة المتجددة بما يحافظ على هوية الهايكو التعبيرية بجوار من أشكال شعرية مماثلة لكنها مختلفة فالهيكو اليوم لم يعد يابانيًا فقط ، فقد أصبح لونًا شعريًا عالميًا وقاسم مشترك بين هذه الأشعار

دجلة العسكري