بائع الأمراء /بحث ومقال للأستاذ المبدع مدحت رحال
شخصيات في الإسلام
_________________
قبل أن أتناول شخصية هذا المقال ، أود أن أنوه إلى أني لا اكتب تاريخ هذه الشخصية ولا اية شخصية اقدمها ،
انا فقط أعرف بها لمن لا يعرفها أو يعرف القليل عنها بأن أتوقف عند محطات في سيرة هذه الشخصية ، أراها بارزة من وجهة نظري وقد يراها آخرون غير ذلك ،
( بائع الامراء )
تصوروا ،
وضع امراء المماليك في المزاد واحدا واحدا وباعهم ، ثم أعتقهم الشاري ،
البائع هو : العز بن عبد السلام
البضاعة : أمراء المماليك
الشاري : الملك الصالح أيوب
نعم ، هو العز بن عبد السلام السُلمي ، الشافعي ، الدمشقي ، المصري ،
الملقب ب ( سلطان العلماء)
وليس عالم السلاطين كعلمائنا اليوم ،
عينه الملك الصالح أيوب في أعلى مناصب القضاء ،
وجد أن المماليك قد اتسع نفوذهم حتى صاروا أمراء البلد وقادة الجيش ،
وجد العز أن هؤلاء الأمراء لا يزالون في حكم الرقيق ،
فأصر على بيعهم في المزاد لصالح بيت المال ،
وأمام موقفه الثابت ، ووقوف عامة الناس إلى جواره ،
اضطر الملك الصالح إلى طرح أمراء المماليك في المزاد العلني فردا فردا ، وبيعوا بأغلى الأسعار والتي دفعها الملك الصالح ايوب من حر ماله ، ثم اعتقهم ،
عاش العز في أسرة فقيرة مغمورة في دمشق ، ولكنه صنع لنفسه مجدا علميا حتى لقب ب ( سلطان العلماء ) ،
فقد جمع في تحصيله بين العلوم الشرعية والعلوم العربية وتفوق فيها وألف فيها وبلغ مرتبة الاجتهاد ،
وقد قضى معظم حياته في دمشق ، ولكنه ارتحل عنها ثلاث مرات لأغراض مختلفة ، ( بغداد ، مصر ، الحجاز )
عمر حتى مات بالقاهرة ودفن فيها عن عمر يناهز الثلاثة والثمانين عاما قضاها في تحصيل العلم والجهاد في سبيل الله ،
وعُرف بمناصحة الحكام ومعارضتهم إذا ارتكبوا ما يخالف الشريعة برأيه ،
عاصر الدولة الايوبية والدولة المملوكية وهي فترة من أشد العصور اضطرابا في العالم الإسلامي ،
وفي سيرة العز بن عبد السلام اكثر من محطة كان له فيها موقفه الثابت الذي لا يساوم على مبدئه :
_ محنته مع الملك الاشرف الأيوبي في دمشق ، فقد كاد له خصومه عند السلطان الأشرف حتى اوشك أن يبطش به ، ثم تبين له وجه الحق فعاد إلى مواددة الشيخ وترضاه
_ موقفه من تحالف الصالح إسماعيل مع الصليبيين وتنازله لهم عن بعض الحصون ضد الملك الصالح أيوب الذي كان قد عزم على ضم الشام إلى مصر ،
_ إسقاط عدالة وزير الملك الصالح ( أستاذ الدار ، المنصب الذي يعادل اليوم كبير الأمناء )
فقد بنى الوزير فوق أحد المساجد ( طبلخانة ) أي قاعة للغناء والموسيقى ،
فما كان من العز إلا أن أمر بهدمها وشارك بنفسه في ذلك ، وبصفته قاضي القضاة ، فقد أسقط عدالة الوزير فلم تعد تقبل شهادته ،
_ قتال الصليبيين : فقد شارك بنفسه في الجهاد ضد الصليبيين الذين اتجهوا لاحتلال دمياط ، وكان النصر حليف الجيش المسلم وغرق أكثر الفرنجة عندما كسرت الريح مراكبهم ،
_ دعوته لقتال التتار ،
رفض العز فرض الضرائب على الشعب دون الامراء وبيت السلطان ،
وكان له موقف حازم ،
أن يخرج كل ما في بيت مال السلطان من السلاح والسروج الذهبية وان يتخلى الأمراء عن أملاكهم ونفائسهم
وأن يتساووا مع العامة ،
وكان له ما اراد ،
_ مبايعة الظاهر بيبرس ،
فاجأ العز بن عبد السلام الظاهر بيبرس بقوله :
أنا أعرفك مملوكا للبندقدار ولا يصح مبايعة مملوك ،
ولم تتم البيعة لبيبرس إلا بعد ما اثبت أن البندقدار قد وهبه للملك الصالح أيوب الذي اعتقه بدوره ،
ولما مات الشيخ العز بن عبد السلام قال بيبرس :
الآن استقر ملكي ،
يقال بأن شخصا جاء إلى العز وقال له :
رايتك في النوم تنشد :
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة
وأخرى رمى فيها الزمان فشُلت
فسكت ساعة ثم قال :
اعيش من العمر ثلاثا وثمانين سنة
هذا الشعر لكثير عزة ،
وأنا على نقيضه في جميع الصفات ،
ولكنه عاش هذا القدر من السنين
وكان ما حدسه الشيخ
رحمه الله رحمة واسعة ،
ودفن بسفح المقطم ،،،
تعليقات
إرسال تعليق